عمرو صلاح الغندقلي
عمرو صلاح الغندقلي


«عندما يطل القمر».. قصة قصيرة للكاتب عمرو صلاح الغندقلي

صفوت ناصف

الجمعة، 05 يناير 2024 - 04:07 م

صباح جديد يهل ، يحمل في طياته أحداثً جديدة، أهم ما أبحث عنه هو الإفطار، حتي يتثنى لى احتساء قهوتي الصباحية المعتادة الدالة على بدء اليوم.

أذهب إلى المطبخ وأضع على النار كنكة بها كثير من البن المحوج بزيادة، والسكر القليل ولا أكف عن التقليب حتي تنضج.

لابد من أن يتقلب الإنسان من حال إلى حال حتى ينضج.

أصب قهوتى الصديقة وأذهب حيث الأريكة التى تشكلت بشكل جسدي، وأضع الفنجان علي الطاولة الملاصقة للأريكة، على الطاولة فازة بها عود بامبو وحيد مثلي، أتأمل أوراقه اليافعة وأرتشف قهوتي على مهل ..

للحب طعم مثل القهوة، ولون ورائحة، لمن أدرك هذا....!

لما ياقلب لا تكف عن الحب ...؟

وتحرص علي ما ينفعني؟ ،  لما تصر على السعي وراء حبيب لا يدرك ما تكنه من حب مكتوم ؟  أسمع وحدى أنين ذلك الشوق واشتم رائحة شوائه...  لا يدرك ما أعانيه إلا الذي شرب شربة من بحر الهوى فهوى...

لماذا هذه بالذات ؟ رغم أنك يا قلبى محاط بزينة النساء وأجملهم، ولا تلتفت إلا لها.!

هل سأبقى على هذا الحال طول الدهر.؟ أكتب عنها، وأرسم لها، وأحدث الناس، ولا يكاد يفارقني طيف من خيالها...

تتدافع الأفكار في رأسي ولا تسكن، مازلت أفكر فيها وأتحدث عنها، أنا الشاب حين أرها، الشايب عندما تمضى.

مر من عمري سنوات كثيرة تجاوزت الخمسين، أعزب أعيش بلا أنثى.

إبراهيم محمود الوسيمى، هكذا ولدت وأحمل هذا الاسم، أعمل موظف في مكتب بريد حلوان، أحببت فتاة منذ عشرين عام مضت، نسيت مذ أن أحببتها عمري الذي فر ولا يعنيني.

 واختصرت الحياة فيها، تلك التي أخذتني مني، ولم أحظ منها سوى ما أعانيه من آلم، ولا يعنيني إن سكن هذا الألم أو اهتاج !

أحببتها دون أن أُخبرها ، خشيت أن ترفض ذلك الحب وهذا حقها ، فتحرمني بذلك الرفض من أن أرها وهذا هو ما أحيا عليه.

كنت أكبر منها بأكثر من ثلاثة عشر سنة، وأصغر منها في فهم الحياة .

اسمها فاتن ..... ابنة الصديق والجار الذي يكبرني بحوالي عشرة أعوام يعمل بالبنك الأهلى ، ويجلس بصحبة الأصدقاء المشتركين بيننا علي مقهى المحروسة بشارع المراغي بحلوان، نلعب النرد كثيراً ونضحك من نكات يطلقها أحدنا، حتي تمر.

هي نسمة تهل باسمة ، فتمحو ما يصيب الإنسان من علل، فتشرق أنوار تهتك أستار الظُلمة المحيطة بالنفس البشرية ،

هي الحُلم الممتد الذي لا تفيق منه إلا عند آخر رمق.

فاتن نعم هذا اسمها ووصف يتجدد عند كل إطلالة، بها يبدأ اليوم ولاينتهي، حتي يطمئن أنه سلمني إياها عند عتبة باب الحلم.

 فى جلستى المعتادة في المقهى أترقب ضرابات قلبي حين تتسارع معلنة عن قرب مرورها، فأَرمقها، وأتظاهر بأني أحتسي  قهوتي وقد تغير طعمها لاضطراب لم يسلم منه كامل جسمي حتي تسرب إلى فنجان القهوة عبر يدي فأصابه...

تمشى تتهادى حاضنة لكتاب، تعبر الطريق في رشاقة الفرشة، إلى بيتها المجاور للمقهى، فيتصلب كل ما بي عند انتظارها لعبور الشارع المزدحم ، تقف تماما أمامي فى خط مستقيم، على البر الثاني . تماما مثل حالي معاها، تندفع السيارات بلا توقف وليتها لا تقف حتي يطول وقت انتظارها الذي يضرم في جسدي نارًا أود ألا تنطفئ !، وتعبر مارة بجوار المقهى إلى البيت وهي لا ترانى كالعادة ، ينتهى المشهد المعتاد بصوت نهاية السمفونية التاسعة لبيتهوفن، التي أحبها، فتعود الأشياء إلى الصخب المعتاد ويختفي الحلم بولوج فاتن إلى بيتها، أنتهى من آخر رشفة من فنجاني، وأعود من حيث أتيت إلى البيت، وانتظر .

أسمع رنين الموبايل

: الوه

 : حضرة الأستاذ إبراهيم ؟

: أيوه أنا مين معايا ؟

: أنا أحمد العطار وعايز حضرتك في خدمة ممكن تساعدني 

: كلمني بكره بعد العصر وقابلني على قهوة المحروسة وربنا كريم

: متشكر جدا جدا يا أستاذ إبراهيم.... إن شاء الله أكلم حضرتك

مع السلامه.

أحب مساعدة الآخرين علي قدر .

أذهب إلى البيت مارًا بسيد البقال

: ربع كيلو جبنة وتمن زيتون وعيش شامي.

سيد البقال: من عينيا

أحمل ما اشتريته إلى البيت وأصعد إلى شقتي ووحدتي.

أُبدل ملابسى وأغسل وجهي وأعد طعام الغداء .

أكل بعض لقيمات وأقوم إلى المطبخ أخذ كوب من الماء ، أتناول حبتين من دواء القولون والقرحة، وأعد عدة القهوة واذهب بالفنجان إلى الشرفة حتي يأتي المساء ويطل قمرى.

هكذا مرت سنوات دون أن أنبس لأحد ببنت شفه عن قصة حبى الوحيد، حتي تزوجت فاتن في يوم بات محفور في ذاكرتي شاهداً على نكستي، فقد أصابتني صاعقة من السماء، وجفت في عروقي الدماء وأعلنت يومها وفاة الحلم،

وحضرت بالضرورة يوم زواجها ورقصت وبكيت وشربت الشربات الممزوج بالدموع التي ظن جميعهم أنها دموع الفرح.

ومرت سنوات وأنا أنتظر أن تأتي تزور أباها ومعاها زوجها الذي لا أذكر إسمه، فتعود مع عودتها الحياة بعض الوقت

وحين أُقابلها في الشارع ليس صدفة وهي تنطق اسمي

: ازيك يا عمو إبراهيم

يرقص قلبي من فرح اللقاء والصوت الواصل لكل خلايا جسمي، يجعل كل خلاياي ترقص وتغنى.

ثم يصمت العالم .

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 

 

 

 

 
 
 
 

مشاركة